الحلقة الثالثة
ـ وختامًا: فهاتان رسالتان:
الرسالة الأولى إلى زوّار جمعيّة إحياء التراث الكويتيّة
ـ فهذه هي جمعيّة إحياء التراث الكويتيّة، وهذه هي طريقتها مع الدعوة السلفيّة، حربٌ تشويهٌ على العلماء الربّانيين بالأكاذيب والافتراءات، وتعظيم لرموز الحزبيّة، وتلبيسٌ وتضليلٌ على الناس في كثير من المسائل العلميّة، وذلك من أوّل إنشائها.
فما هو عذر من يناصرهم، ويقوّي شوكتهم، ويروّج لهم، بالزيارات المتكرّره لجمعيّة إحياء التراث، وحضوره دوراتهم، وثنائه عليهم ؟!
أ ـ وأما الاعتذار بأنهم يذهبون إليهم، ولا يشترطون عليهم شيئًا، وأنهم يختارون الكتاب الذي يريدونه، ويتكلمون في الموضوع الذي يريدونه.
فنقول: إن في نفس زياراتكم مفسدةً، وذلك لأمور:
أحدها: - أن الولاء والبراء يقتضي مفاصلة هؤلاء الحزبيين المتستّرين بالأعمال الخيريّة.
الثاني: - أن طريقة السلف الصالح مع أهل البدع والأهواء هي مفاصلتهم والتحذير منهم، فقد كان سلفنا يحذّرون من انحرافات هي دون التي عند جمعيّة إحياء التراث.
الثالث: - إن هذه الجمعيّات تستفيد جدًّا من زياراتكم المتكرّرة في الترويج لباطلهم، والتشويه بمشايخ أهل السنة، فزياراتكم تمحو لهم تحذير العلماء، فإنهم يقولون لأتباعهم: "انظروا كيف أن مشايخ السلفيّة كلّهم يأتون إلينا، وفلان فقط هو الذي لا يأتي إلينا لأنّه متشدّد". فيغترّ المساكين بزياراتكم، ويفهمون أن فلانًا هو المتشدّد، والحقّ أنه ليس به تشدّد، ولكن غيره هو الذي تساهل.
فالمفسدة حاصلة في نفس الزيارات، لا في الكتاب الذي تختارونه، ولا الموضوع الذي تطرحونه.
ب ـ وأما قولكم: "نحن نتكلم في الموضوع الذي نريده". فنقول لهم: لا تقدرون على طرح ما تريدون من المواضيع، فأنتم لا تستطيعون أن تحذّروا من الطعونات في العلماء الذين اختلفوا مع جمعيّة إحياء التراث، ولستم قادرين على القول بأن تحذير العالم من هذه الجمعيّة لو كان خطأً فلا يبيح لكم عرضه لتتكلّموا فيه، وتفتروا عليه، فكيف وتحذيره حقّ، ولا تستطيعون أن تذكروا أسماء هؤلاء العلماء، وكلّ ذلك خوفًا من تصنيف الجمعيّة إيّاكم بأنكم من جماعة الشيخ الفلانيّ، ولو ذببتم عن أعراض هؤلاء العلماء، لما استدعتكم الجمعيّة مرّة أخرى، ولبحثوا عن غيركم ممن يأتي لهم بأرباح بدون خسائر.
بل هناك مواضيع يصعُب على هؤلاء الزوّار الكلام فيها، مثل وجوب التحذير من أهل البدع، وأن الكلام فيهم لا يُعتبر من الغيبة، وبيان حال كثيرٍ من الأحزاب الموجودة على الساحة كالإخوان المسلمين وجماعة التبليغ وغيرها.
ومن هذه المواضيع تحريم الخروج على ولاة الأمور، والردّ على الشبهات التي يثيرها أهل الأهواء في هذه الأيّام. ومن هذه المواضيع التحذير من الفُرقة وأسبابها، ومن البدع المعاصرة الموجودة التي كانت سببًا للفُرقة، مثل البيعة، والإمارة، والتحزّب. ونحو هذه المواضيع التي تثير حفيظة الجمعيّات.
ففي الحقيقة هناك شرطٌ مسكوتٌ عنه، - ومن الشروط ما تكون غير منطوق بها - لكنّه مفهوم من الطرفين، طرف الجمعيّة وطرف الزوّار من المشايخ، فمن هذه الشروط عدم الكلام في هذه المواضيع المشار إليها.
ولو أثنى الواحد منهم على المشايخ المختلفين مع جمعيّة إحياء التراث، لوجدته يتكلّم على خجل بثناءٍ عامّ، وليس بدفاعٍ واضحٍ، وسرعان ما تمحي أثره الجمعيّة بطريقتها الخاصّة.
ج ـ وأما الاعتذار بأن العلم يُبثُّ وينشر في الناس، لعلّ في ذلك نشرًا للعلم والسنّة.
فالجواب عن ذلك من وجوه:
أحدها: - استفادتهم منكم في الترويج لجمعيّتهم في ساحة الدعوة، هي أكثر من فائدة نشر العلم إن حصل، فهم المستفيدون الحقيقيّون ولستم أنتم. فالمفسدة غالبة على تلك المصلحة المنشودة، ويعرف حجم المفسدة العلماء الربّانيون، وليس كلّ شخص.
والثاني: - يمكن نشر العلم بدون الانضمام إلى جمعيّة مثل هذه الجمعيّة، إذْ أن كثيرًا من العلماء ينشرون العلم بدون التعاون مع هذه الجمعيّات، والمصلحة إذا أمكن تحصيلها بدون مفسدة وجب تقديمها على حصولها مع المفسدة.
فضرر زيارات هؤلاء المشايخ في كلّ أنحاء العالم، في آسياء وأفريقيا، وأوروبّا، وفي الأمريكيّتين، حيث يروّج لها في كلّ مكان، والذين يلحقون بالجمعية ويغترّون بها أكثر بكثير جدًّا من المتأثرين بالعلم على يد هؤلاء المشايح الزوّار.
وكم تضرّرت الدعوة بمثل هذه الكلمات: "معنا الشيخ فلان، والشيخ فلان، والشيخ فلان".
والثالث: - أن العلم يُنشر عند المحبّين للعلم والمعظّمين له، لا عند من يستضيف المشايخ ترويجًا لأهدافه، وربما كان السلف يحرمون الرجل من العلم، لأشياء هي أدنى بكثير مما عند هؤلاء المتستّرين.
والرابع: - يتبع الزيارات كثير من الثناء عليهم، وعلى جهودهم، وعلى بعض رموزهم، والنصح بالحضور لدوراتهم، ولاشكّ أن هذا ضررٌ.
د ـ وأما الاعتذار بأن سماحة الشيخ عبد العزيز باز – رحمه الله - كان يتواصل مع المخالفين وينصحهم.
وأقول: لقد كان موقف سماحة الشيخ عبد العزيز باز – رحمه الله - موقفًا مشرّفًا من هؤلاء، وأسوق هنا موقفين مشرّفين لهذا الإمام الكبير – رحمه الله -:
أحدهما: - رفعت أخطاء عبد الرحمن عبد الخالق إلى سماحة الشيخ ابن باز ومنها كلامه الرديء في مشايخ السلفيّة، فاستدعاه من الكويت إلى السعوديّة، فعرض عليه سماحة الشيخ ابن باز ما نقل إليه من الكلام، وأخبره أن كلامه منكر وباطل، وطالب عبد الرحمن عبد الخالق بالتراجع عن كلامه في العلماء، وطالبه ببيان ذلك في الصحف المحليّة في الكويت والسعودية [1]، ونصحه أن يترك هذه الطريقة، فتراجع عبد الرحمن عبد الخالق أمام سماحة الشيخ عبد العزيز باز – رحمه الله -.
قال شيخنا الشيخ مقبل الوادعي – رحمه الله -: (ثم يأتي عبد الرحمن عبد الخالق، وأنا متأكد أنه ما أجاب بما أجاب به، ولا تراجع عما تراجع عنه إلا أنه يخشى من الحكومة الكويتية، فإنها تثق بالشيخ ابن باز وتحبه، فلو قال لهم: "رحِّلوه، هذا لا خير فيه"، لرُحّل، من أجل هذا تراجع).
وقال شيخنا الشيخ مقبل بن هادي الوادعي: (فلا يظن ظانّ أن الذي تراجع فيه عبد الرحمن عبد الخالق هو كل ما أُنكر عليه، بل ليس بربع العشر، والسبب في هذا أنه ما تضلع من العلم). [2]
وقال شيخنا الشيخ مقبل: (إنه لا يكفي انتقاد الشيخ عبد العزيز بن باز في قضايا يسيرة، بل الرجل أضلّ أمماً وفرّق كلمة أهل السنة).
والثاني: - علم سماحة الشيخ عبد العزيز باز – رحمه الله - أن بعض القطبيين يهاجم مشايخ المدينة كالشيخ محمد أمان بن علي الجامي، والشيخ ربيع المدخلي وغيرهما - وينزّل عليهم بيان سماحة الشيخ عبد العزيز باز – رحمه الله – الذي أنزله في ذلك الوقت، فدافع سماحة الشيخ عبد العزيز باز – رحمه الله - عن مشايخ المدينة دفاعًا مباركًا، وأثنى عليهم خيرًا – رحمه الله رحمةً واسعة -.
فأين مواقفكم المشرّفة من هذه الأخطاء والافتراءات، وأين دفاعكم عن هؤلاء العلماء الفضلاء لتبرأ ذمّتكم ؟!.
ثم إن طريقة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – هي التواصل مع العلماء الربّانيين، وقطع صلته بهؤلاء إلا من النصيحة، وأنتم قطعتم هؤلاء العلماء الربّانيين، وصار تواصلكم مع هذه الجمعيّات المتستّرة بالأعمال الخيريّة، ثم تنسبون أفعالكم إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – وشتّان بين الموقفين.
وكثيرٌ من علمائنا – ولله الحمد – يفاصلون هذه الجمعيّات وينابذونها، ويبتعدون عنها، ويتحمّلون في سبيل ذلك أصناف الأذى منهم، كالشيخ ربيع بن هادي المدخلي والشيخ محمد أمان بن علي الجامي، والشيخ أحمد النجميّ، والشيخ مقبل بن هادي الوادعيّ وغيرهم، وهؤلاء علماء أيضًا شهد لهم القاصي والداني بفضلهم وعلوّ منزلتهم.
اعلموا أنه لولا زياراتكم وتواصلكم مع هذه الجمعيّات، لضعفت جمعية إحياء التراث - وغيرها من الجمعيّات المتستّرة بغطاء السلفيّة – عن نشر باطلها، فإن هذه الجمعيّات الحزبية تحيا بزيارات المشايخ، وحضور دوراتهم، وثنائهم.
كم كان لتواصلكم هذا من آثار سلبيّة على السلفيّة وأهلها، فلولا زياراتكم المتكرّرة، لقّل عدد الضحايا الذين يقعون في أيدي هؤلاء، وما استطاعوا التشويه بالعلماء الربّانيين.
الرسالة الثانية إلى طلّاب العلم في اليمن
ـ ما موقف طلاّب العلم في اليمن من مثل هذه الحرب المسعورة على الشيخ ربيع ؟!
ما السرّ في أن ربيع بن هادي المدخلي لا بواكي له عندنا في اليمن ؟!
وما هو السبب في أننا لا نرى دفاعًا عن الشيخ ربيع بحقّ مع كثرة المهاجمين، كما رأينا دفاعًا عن الحجوري ومحمد الإمام بالباطل ؟!
رأينا كثيرًا من غثاء الردود في الدفاع عن محمد الإمام، وردّ انتقادات علماء أهل السنة له، مع ما صدر من محمد الإمام من الوثيقة وما بعدها ؟! فلماذا لا تخرج مقالاتٌ - ولو مقالات قليلة - في الدفاع عن الشيخ ربيع، وردّ انتقادات أهل البدع، الذين يهاجمونه لكشفه إيّاهم ؟!
يا طلّاب العلم في اليمن: ألا تردّون لربيعٍ جزءًا من الجميل الذي له عليكم ؟!.
أليس هو الذي يسدّد الدين عنكم في كلّ مرّة ؟! ألم يردّ – ردودًا تفصيليّة بمقالات علميّة كثيرة - على مشايخ الوصيّة الذين خالفوا الدعوة السلفية على علم.
أ ـ فمن هؤلاء أبو الحسن المأربيّ، الذي أخرج الشيخ في الردّ عليه مقالات كثيرة. وأبو الحسن المأربيّ له قرابة عقدين من السنين في حرب على الشيخ ربيع المدخليّ، فأين الردود عليه يا طلّاب العلم في اليمن ؟!.
ب ـ ومن هؤلاء يحيى الحجوريّ، الذي أخرج الشيخ ربيع في الردّ عليه مجلّدين، ثم خرجت ثلاث حلقات بعد ذلك، وما زال هو وأتباعه يتكلّمون في الشيخ ربيع، فأين الردود عليه ؟!.
لماذا لما سقط محمد الإمام انتفضتم انتفاض العصفور المبلول، فخرج كُتّابُكم من كلّ جُحْرٍ، ليدافعوا عن إمامهم ؟! وبعض هؤلاء لم يحمل قلمًا ليدافع عن "شيخ" إلا هذه المرّة، وهذا من الخُذلان - والله -، فكم مرّت الدعوة وعلماؤها بأزمات وشدائد ولم نرَ شيئًا مشرّفًا لهذه الأقلام.
لا أقول إن ربيعًا محتاجٌ لدفاعكم، فوالله إن مرتبة ربيع لا تنال منها مقالات أهل الأهواء، لأن الرجل صار محنةً - فيما نحسبه كذلك والله حسيبه -، ولكن أبيّن للعقلاء مدى التعصّب الذميم الذي وصل إليه بعض الناس. وليعلم المنصفون أن كثيرًا من طلّاب العلم تغيّر بعد موت شيخنا العلامة مقبل بن هادي الوادعي – رحمه الله رحمةً واسعة –، والذي لو كان حيًّا لنصر ربيعًا بالثناءات العاطرة كما عوّدَنا - رحمه الله وغفر له – فدعوتهم واحدة.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.
كتبه: أبو عمار علي بن حسين الشرفيّ
المعروف بعليّ الحذيفي
الأربعاء الثامن / ذو الحجة / 1438 هـ
ــــــــــــــــــــ
[1] انظر: "مجموع فتاوى ومقالات سماحة الشيخ ابن باز" (8/240-246) - رحمه الله -.
وممن رد عليه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - وكذبه وقال فيما ذكره عبد الرحمن عبد الخالق: (كل هذا كذب). ودعا إلى التحقيق معه كما في شريط "التوجيهات السلفية في قضايا منهجية". ورد عليه الشيخ صالح بن غصون رحمه الله وقال عنه "فاجر". وكل هذا في شريط مسموع انظر: "شريط "كلمات في العقيدة والمنهج والنوازل".
[2] "إجابة السائل". لشيخنا الشيخ مقبل الوادعي - رحمه الله -.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق