فصلٌ [فِي دَلِيلِ الخِطَابِ]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص ٢٩٤]:
«وَمِمَّا يَلْحَقُ بذَلِكَ وَيَقْرُبُ مِنْهُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ دَلِيلُ الخِطَابِ».
[م] سُمِّي دليل الخطاب لأنَّ دلالته من جنس دلالات الخطاب، أو لأنَّ الخطاب دالٌّ عليه، أو لمخالفته منظوم الخطاب(١)، ويُسَمَّى ـ أيضًا ـ مفهوم المخالفة(٢).
والمصنِّف قَدَّم أحدَ أنواع مفهوم المخالفة وهو مفهوم الحصر ﺑ «إنما» الذي يندرج تحت دليل الخطاب، وجعله مما يقرب منه، والحقيقة أنَّ مفهوم الحصر أحد أنواعه، مثل مفهوم الصفة والشرط والغاية والعدد وغيرها من أنواع مفاهيم المخالفة، لذلك كان الأَوْلَى تقديم هذا الفصل على الذي يليه من باب تقديم الأصل على فرعه أو نوعه.
والمصنِّف اكتفى في هذا الفصل بمفهومٍ واحدٍ وهو مفهوم الصفة، ولم يُعَرِّج على بقية المفاهيم، وخاصَّة مفهوم الاستثناء بالنفي والإثبات الذي يأتي مرتَّبًا في طليعة المفاهيم ثمَّ مفهوم الشرط الذي يُعَدُّ أقوى من مفهوم الصِّفة ومفهوم العِلَّة، كيف وقد احتجَّ بهذه المفاهيم من لم يحتجَّ بمفهوم الصفة، بل وغالبُ استعمال مفهوم الشرط في كلام العرب للتعليل، لكون الشرط يلزم من عدمه عدم المشروط، مثل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ [الطلاق: ٦].
[في تعريف دليل الخطاب]
• عرَّف الباجي -رحمه الله- دليل الخطاب بقوله:
«وَهُوَ: أَنْ يُعَلَّقَ الحُكْمُ عَلَى مَعْنَى فِي بَعْضِ الجنْسِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ عِنْدَ القَائِلِينَ بهِ نَفْيُ ذَلِكَ الحُكْمِ عَمَّا لَمْ يَكُنْ بهِ ذَلِكَ المَعْنَى مِنْ ذَلِكَ الجِنْسِ(٣)، نَحْوُ قَوْلِهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: «فِي سَائِمَةِ الغَنَمِ الزَّكَاةُ»(٤) فَيَقْتَضِي ذَلِكَ نَفْيَ الزَّكَاةِ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ».
[م] ولدليل الخطاب حدودٌ أخرى غير تعريف المصنِّف منها:
ـ أنه «دلالة اللفظ على ثبوت حكم المسكوت عنه مخالف للحكم الذي دلّ عليه المنطوق نفيًا وإثباتًا»، أو هو: «الاستدلال بتخصيص الشيء بالذكر على نفي الحكم عمّا عداه»(٥).
وعبارة المصنِّف في تعريفه تظهر بأنَّ تعليق الحكم بالصفة في جنس يقتضي نفي الحكم عمَّا عدا الموصوف بتلك الصفة في ذلك الجنس من غير أن تتعدَّى إلى جنس آخر، وهو مذهب القائلين بحُجِّيَّة مفهوم الصفة، ففي الحديث السابق «فِي سَائِمَةِ الغَنَمِ الزَّكَاةُ» دلالة بالمفهوم على أنَّ معلوفة الغنم لا زكاة فيها بخلاف معلوفة الإبل والبقر ففيها الزكاة؛ لأنَّ المنطوق لم يتناول إلَّا الجنس المذكور فمخالفه بالمقابل لا يتناول إلَّا الجنس المذكور تحقيقًا لوجه المخالفة ومعناها(٦).
وهذا المثال الذي ساقه المصنِّف يُعَدُّ أحد أنواع مفاهيم المخالفة، وهو مفهوم الصفة، وهو في نفس الوقت أحد صور مفهوم الصفة، وهو أن يذكر الخطاب العامّ مُعلَّقًا حكمه على وصف خاصٍّ يذكر بعده، ولمفهوم الصفة صور أخرى منها:
• مفهوم الحال: وهو تقييد الخطاب بالحال ويدلُّ على نفي الحكم عمَّا عدا ذلك الحال، مثل قوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧]، فدلَّت الآية بمفهومها المخالف على حِلّ المباشرة إذا انتفت الحالة المعنية بالتحريم، وهي الاعتكاف، ومفهوم الحال معدود من مفاهيم الصفة؛ لأنَّ المراد الصفة المعنوية لا النعت(٧).
• مفهوم المكان: وهو تقييد الخطاب بالمكان ويدلُّ على نفي الحكم عمَّا عدا ذلك المكان، مثل قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧]، حيث يفهم منه أنه لا اعتكاف في غير المساجد لمن يقول بذلك.
• مفهوم الزمان: وهو تقييد الخطاب بالزمان ويدلُّ على نفي الحكم عمَّا عدا ذلك الزمان، مثل قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧]، فيفهم منه عدم صِحَّة الحجّ إذا وقع في غير زمانه(٨).
• مفهوم التقسيم: وهو تقييد الخطاب بأحد القسمين المذكورين في النص، ويدلُّ على نفي الحكم عن القسم الآخر، مثل قولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا سُكُوتُها»(٩)، فإنه يفهم بأنَّ البِكر ليست أحقّ بنفسها من وليِّها.
• مفهوم العِلَّة: وهو تعليق الحكم بالعِلَّة ويدلُّ على نفي الحكم عمَّا لم تتعلق به تلك العِلَّة، مثل قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»(١٠)، فيُفهم منه تحليل غير المسكر(١١).
[في الاحتجاج بمفهوم الصفة]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص ٢٩٤] عند ذكر اختلاف العلماء في الاحتجاج بمفهوم الصفة:
«وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى القَوْلِ بهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعيِّ، وَمَنَعَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَبي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ».
[م] جميع مفاهيم المخالفة حُجَّة عند جمهور الفقهاء ما عدا مفهوم اللقب(١٢)، فليس بحُجَّة، لهذا قال الغزالي: «وقد أقرَّ ببطلانه كلُّ محصِّل من القائلين بالمفهوم»(١٣)، وأنكر أبو حنيفة الجميع، وبه قال ابن حزم الظاهري، وأبو بكر القفال، وأبو العباس بن سريج، والقاضي أبو حامد المروزي(١٤) والباقلاني وأبو حامد الغزالي، ووافقهم الأخفش(١٥) وابن فارس(١٦) وابن جِنِّي(١٧) من أئمّة اللُّغة، وإلى هذا القول مال المصنِّفُ وصحَّحه، واختاره الآمديُّ(١٨).
والصحيحُ مذهبُ الجمهور لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال له لمَّا أكثر عليه في شأن عبد الله بن أبي بن سلول: «…أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ، إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، قَدْ قِيلَ لِي: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾، لَوْ أَعْلَمْ أَنِّي لَوْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ»(١٩)، ففهم أنَّ الزيادة على السبعين يكون له من الحُكم خلاف المنطوق، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ ـ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيِ الرَّجُلِ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ ـ المَرْأةُ وَالحِمَارُ وَالكَلْبُ الأَسْوَدُ»، قال عبد الله بن الصامت لأبي ذرٍّ: ما بال الأسود من الأحمر ؟ فقال: سألت رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم كما سألتني، فقال: «الكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ»(٢٠)، ففهم عبد الله بن الصامت وأبو ذر رضي الله عنهما من تعليق قطع الصلاة على الكلب الأسود انتفاء الحكم عن غيره، والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أقرَّه على ذلك الفهم وبيَّن له الفرق بين الموصوف بالسواد وغيره.
ومثله ما رواه مسلم عن يعلى بن أُميّة أنه قال: قلت لعمر بن الخطاب: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٠١]، فقد أمن الناس، قال: عجبت ممَّا عجبت منه، فسألتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن ذلك، فقال: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ»(٢١)، فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أقرَّه على هذا الفهم وأجابه على الحكم، وقد فهم يعلى بن أمية وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ـ وهما من فصحاء العرب ـ هذا الفهم مع الإقرار النبويِّ له.
ومن ذلك اتفاق الصحابة رضي الله عنهم في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا الْتَقَى الخِتَانَانِ وَجَبَ الغُسْلُ»(٢٢)، ناسخ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «المَاءُ مِنَ المَاءِ»(٢٣)، الدالّ بمفهومه على نفي الغسل من غير إنزال، ولو لم يكن المفهوم حُجَّة لما كان نسخًا له .
وقد احتجَّ أهل اللُّغة بمفهوم المخالفة، ونكتفي بنصِّ الشافعي ـ وهو من أئمّة اللغة ـ حيث قال: «وفي إباحة الله تعالى نكاح حرائرهم، أي: أهل الكتاب، دلالة عندي ـ والله تعالى أعلم ـ على تحريم إمائهم؛ لأنَّ المعلوم في اللسان إذا قَصَدَ قَصَدَ صفة من شيء بإباحة أو تحريم، كان ذلك دليلًا على أنَّ ما قد خرج من تلك الصفة مخالف للمقصود قصده كما «نَهَى النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عَنْ أَكْلِ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ»(٢٤)، فدلَّ ذلك على إباحة غير ذوات الأنياب من السباع»(٢٥).
وعليه، فإنه إذا كان التعليق بالعِلَّة يوجب نفيَ الحكم لانتفاء العِلَّة، فإنَّ التعليق بالصفة كذلك، إذ لابدَّ له من فائدة صونًا للكلام من اللغو، وإذا كان لا يستقيم أن يثبت تخصيص آحاد البلغاء بغير فائدة، فكلام الله ورسوله أجدر.
[في احتجاج المانعين من حجية دليل الخطاب]
• قال المصنف -رحمه الله- في [ص ٢٩٥] في معرض الاستدلال على منع حُجِّية دليل الخطاب الذي صحَّحه:
«وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ الشَّيْبَانِي عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبي أَوْفَى قَالَ: «نَهَى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عَنِ الجَرِّ الأَخْضَرِ، قُلْتُ: أَنَشْرَبُ فِي الأَبْيَضِ ؟ قَالَ: لاَ»، فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى الجَّرِّ الأَخْضَرِ، ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ الأَبْيَضِ حُكْمُهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فَلَوْ جَازَ التَّعَلُّقُ بدَلِيلِ الخِطابِ لَوَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بالمُخَالَفَةِ».
[م] فهذا دليلٌ من أدلَّة نفاة مفهوم المخالفة، وجوابه ـ عند الجمهور ـ: أنَّ الأخضر صفة غالبة على الجَرِّ؛ لأنَّ الجرار الخُضر كانت شائعة بينهم، فكان ذِكر الأخضر لبيان الواقع لا للاحتراز(٢٦)، وعليه فاللفظ خرج مخرج الغالب الأعمّ فلا مفهومَ له، وهو أحد القيود على حُجِّيَّة مفهوم المخالفة عند الجمهور(٢٧).
ومن جهة أخرى فإنَّ الصحابي رضي الله عنه لما سأل عن حكم الأبيض إنما سأل بناءً على مفهوم المخالفة الجاري فهمه على لسانهم، فبيَّن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بمنطوقه عدم الفرق بين الأخضر والأبيض، فلا يلزم من ذلك بطلانه، وإنما وجب المصير إلى المنطوق وتقديمه لقوته على المفهوم.
ولقد كان لاختلافهم في دليل الخطاب أثر واسع في الاختلاف في الفروع فمن ذلك:
• نكاح الأَمَة مع طول الحرة، فقد ذهب الجمهور إلى العمل بالمفهوم المخالف في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥]، الدالّ على تحريم نكاح الأَمَة المؤمنة مع طول الحرة، لدلالة المنطوق على جواز نكاح الأَمة المؤمنة بشرط عدم استطاعة طول الحرة عملًا بدليل الخطاب خلافًا للأحناف.
• نكاح الأَمَة الكتابية عند عدم استطاعته طول الحرّة، فقد ذهب الجمهور إلى العمل بالمفهوم المخالف من الآية السابقة حيث دلّت بمفهومها على تحريم نكاح الأَمة الكتابية لتقييد منطوقها بوصف الإيمان، وخالف الحنفية في ذلك جريًا على عدم الاحتجاج بالمفهوم المخالف(٢٨).
• كما يذهب الجمهور إلى عدم جواز نكاح الأَمَة مُطلقًا مؤمنةً أو كتابيةً مع عدم خوف العنت وهو الوقوع في الزنا، لقوله تعالى بعد الآية السابقة: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٥]، وخالف في ذلك الأحناف جريًا على أصلهم في الأخذ بعموم الآيات وعدم العمل بمفهوم المخالفة في الآية.
• ما يذهب إليه الجمهور من أنَّ بيع النخل قبل أن يؤبَّر(٢٩) فثمرته للمشتري أخذًا من مفهوم الصفة في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمْرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ»(٣٠)؛ «فقد جعل التأبير حدًّا لملك البائع للثمرة، فيكون ما قبله للمشتري، وإلَّا لم يكن حدًّا، ولا كان ذكر التأبير مفيدًا(٣١)»(٣٢)، وخالف أبو حنيفة ورأى أنَّ الثمرة للبائع سواء بين أن يكون النخل مؤبَّرًا أو غير مؤبَّرٍ، فإنَّ قَيْدَ التأبير لا يدلُّ على نفي الحكم عند عدمه(٣٣).
• ومن ذلك ما يذهب إليه الجمهورُ من أنَّ للأب إجبار ابنته البِكر البالغة على الزواج، استدلالًا بمفهوم الصفة في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا»(٣٤)، فإنَّ مفهومه أنَّ غير الثَّيِّبِ لا تكون أحقّ بنفسها، فيكون وليُّها أحقّ منها، لذلك كان له أن يجبرها، وخالف في ذلك أبو حنيفة حيث إنه لم ير للأب ولاية الإجبار على ابنته البكر البالغة(٣٥)؛ لأنَّ مفهوم المخالفة ليس ـ عنده ـ حُجَّة.
https://ferkous.com/home/?q=inara-14-3
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص ٢٩٤]:
«وَمِمَّا يَلْحَقُ بذَلِكَ وَيَقْرُبُ مِنْهُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ دَلِيلُ الخِطَابِ».
[م] سُمِّي دليل الخطاب لأنَّ دلالته من جنس دلالات الخطاب، أو لأنَّ الخطاب دالٌّ عليه، أو لمخالفته منظوم الخطاب(١)، ويُسَمَّى ـ أيضًا ـ مفهوم المخالفة(٢).
والمصنِّف قَدَّم أحدَ أنواع مفهوم المخالفة وهو مفهوم الحصر ﺑ «إنما» الذي يندرج تحت دليل الخطاب، وجعله مما يقرب منه، والحقيقة أنَّ مفهوم الحصر أحد أنواعه، مثل مفهوم الصفة والشرط والغاية والعدد وغيرها من أنواع مفاهيم المخالفة، لذلك كان الأَوْلَى تقديم هذا الفصل على الذي يليه من باب تقديم الأصل على فرعه أو نوعه.
والمصنِّف اكتفى في هذا الفصل بمفهومٍ واحدٍ وهو مفهوم الصفة، ولم يُعَرِّج على بقية المفاهيم، وخاصَّة مفهوم الاستثناء بالنفي والإثبات الذي يأتي مرتَّبًا في طليعة المفاهيم ثمَّ مفهوم الشرط الذي يُعَدُّ أقوى من مفهوم الصِّفة ومفهوم العِلَّة، كيف وقد احتجَّ بهذه المفاهيم من لم يحتجَّ بمفهوم الصفة، بل وغالبُ استعمال مفهوم الشرط في كلام العرب للتعليل، لكون الشرط يلزم من عدمه عدم المشروط، مثل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ [الطلاق: ٦].
[في تعريف دليل الخطاب]
• عرَّف الباجي -رحمه الله- دليل الخطاب بقوله:
«وَهُوَ: أَنْ يُعَلَّقَ الحُكْمُ عَلَى مَعْنَى فِي بَعْضِ الجنْسِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ عِنْدَ القَائِلِينَ بهِ نَفْيُ ذَلِكَ الحُكْمِ عَمَّا لَمْ يَكُنْ بهِ ذَلِكَ المَعْنَى مِنْ ذَلِكَ الجِنْسِ(٣)، نَحْوُ قَوْلِهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: «فِي سَائِمَةِ الغَنَمِ الزَّكَاةُ»(٤) فَيَقْتَضِي ذَلِكَ نَفْيَ الزَّكَاةِ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ».
[م] ولدليل الخطاب حدودٌ أخرى غير تعريف المصنِّف منها:
ـ أنه «دلالة اللفظ على ثبوت حكم المسكوت عنه مخالف للحكم الذي دلّ عليه المنطوق نفيًا وإثباتًا»، أو هو: «الاستدلال بتخصيص الشيء بالذكر على نفي الحكم عمّا عداه»(٥).
وعبارة المصنِّف في تعريفه تظهر بأنَّ تعليق الحكم بالصفة في جنس يقتضي نفي الحكم عمَّا عدا الموصوف بتلك الصفة في ذلك الجنس من غير أن تتعدَّى إلى جنس آخر، وهو مذهب القائلين بحُجِّيَّة مفهوم الصفة، ففي الحديث السابق «فِي سَائِمَةِ الغَنَمِ الزَّكَاةُ» دلالة بالمفهوم على أنَّ معلوفة الغنم لا زكاة فيها بخلاف معلوفة الإبل والبقر ففيها الزكاة؛ لأنَّ المنطوق لم يتناول إلَّا الجنس المذكور فمخالفه بالمقابل لا يتناول إلَّا الجنس المذكور تحقيقًا لوجه المخالفة ومعناها(٦).
وهذا المثال الذي ساقه المصنِّف يُعَدُّ أحد أنواع مفاهيم المخالفة، وهو مفهوم الصفة، وهو في نفس الوقت أحد صور مفهوم الصفة، وهو أن يذكر الخطاب العامّ مُعلَّقًا حكمه على وصف خاصٍّ يذكر بعده، ولمفهوم الصفة صور أخرى منها:
• مفهوم الحال: وهو تقييد الخطاب بالحال ويدلُّ على نفي الحكم عمَّا عدا ذلك الحال، مثل قوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧]، فدلَّت الآية بمفهومها المخالف على حِلّ المباشرة إذا انتفت الحالة المعنية بالتحريم، وهي الاعتكاف، ومفهوم الحال معدود من مفاهيم الصفة؛ لأنَّ المراد الصفة المعنوية لا النعت(٧).
• مفهوم المكان: وهو تقييد الخطاب بالمكان ويدلُّ على نفي الحكم عمَّا عدا ذلك المكان، مثل قوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: ١٨٧]، حيث يفهم منه أنه لا اعتكاف في غير المساجد لمن يقول بذلك.
• مفهوم الزمان: وهو تقييد الخطاب بالزمان ويدلُّ على نفي الحكم عمَّا عدا ذلك الزمان، مثل قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: ١٩٧]، فيفهم منه عدم صِحَّة الحجّ إذا وقع في غير زمانه(٨).
• مفهوم التقسيم: وهو تقييد الخطاب بأحد القسمين المذكورين في النص، ويدلُّ على نفي الحكم عن القسم الآخر، مثل قولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا سُكُوتُها»(٩)، فإنه يفهم بأنَّ البِكر ليست أحقّ بنفسها من وليِّها.
• مفهوم العِلَّة: وهو تعليق الحكم بالعِلَّة ويدلُّ على نفي الحكم عمَّا لم تتعلق به تلك العِلَّة، مثل قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»(١٠)، فيُفهم منه تحليل غير المسكر(١١).
[في الاحتجاج بمفهوم الصفة]
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص ٢٩٤] عند ذكر اختلاف العلماء في الاحتجاج بمفهوم الصفة:
«وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى القَوْلِ بهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعيِّ، وَمَنَعَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَبي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ».
[م] جميع مفاهيم المخالفة حُجَّة عند جمهور الفقهاء ما عدا مفهوم اللقب(١٢)، فليس بحُجَّة، لهذا قال الغزالي: «وقد أقرَّ ببطلانه كلُّ محصِّل من القائلين بالمفهوم»(١٣)، وأنكر أبو حنيفة الجميع، وبه قال ابن حزم الظاهري، وأبو بكر القفال، وأبو العباس بن سريج، والقاضي أبو حامد المروزي(١٤) والباقلاني وأبو حامد الغزالي، ووافقهم الأخفش(١٥) وابن فارس(١٦) وابن جِنِّي(١٧) من أئمّة اللُّغة، وإلى هذا القول مال المصنِّفُ وصحَّحه، واختاره الآمديُّ(١٨).
والصحيحُ مذهبُ الجمهور لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال له لمَّا أكثر عليه في شأن عبد الله بن أبي بن سلول: «…أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ، إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، قَدْ قِيلَ لِي: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾، لَوْ أَعْلَمْ أَنِّي لَوْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ»(١٩)، ففهم أنَّ الزيادة على السبعين يكون له من الحُكم خلاف المنطوق، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ ـ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيِ الرَّجُلِ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ ـ المَرْأةُ وَالحِمَارُ وَالكَلْبُ الأَسْوَدُ»، قال عبد الله بن الصامت لأبي ذرٍّ: ما بال الأسود من الأحمر ؟ فقال: سألت رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم كما سألتني، فقال: «الكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ»(٢٠)، ففهم عبد الله بن الصامت وأبو ذر رضي الله عنهما من تعليق قطع الصلاة على الكلب الأسود انتفاء الحكم عن غيره، والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أقرَّه على ذلك الفهم وبيَّن له الفرق بين الموصوف بالسواد وغيره.
ومثله ما رواه مسلم عن يعلى بن أُميّة أنه قال: قلت لعمر بن الخطاب: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٠١]، فقد أمن الناس، قال: عجبت ممَّا عجبت منه، فسألتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن ذلك، فقال: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ»(٢١)، فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أقرَّه على هذا الفهم وأجابه على الحكم، وقد فهم يعلى بن أمية وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ـ وهما من فصحاء العرب ـ هذا الفهم مع الإقرار النبويِّ له.
ومن ذلك اتفاق الصحابة رضي الله عنهم في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا الْتَقَى الخِتَانَانِ وَجَبَ الغُسْلُ»(٢٢)، ناسخ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «المَاءُ مِنَ المَاءِ»(٢٣)، الدالّ بمفهومه على نفي الغسل من غير إنزال، ولو لم يكن المفهوم حُجَّة لما كان نسخًا له .
وقد احتجَّ أهل اللُّغة بمفهوم المخالفة، ونكتفي بنصِّ الشافعي ـ وهو من أئمّة اللغة ـ حيث قال: «وفي إباحة الله تعالى نكاح حرائرهم، أي: أهل الكتاب، دلالة عندي ـ والله تعالى أعلم ـ على تحريم إمائهم؛ لأنَّ المعلوم في اللسان إذا قَصَدَ قَصَدَ صفة من شيء بإباحة أو تحريم، كان ذلك دليلًا على أنَّ ما قد خرج من تلك الصفة مخالف للمقصود قصده كما «نَهَى النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عَنْ أَكْلِ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ»(٢٤)، فدلَّ ذلك على إباحة غير ذوات الأنياب من السباع»(٢٥).
وعليه، فإنه إذا كان التعليق بالعِلَّة يوجب نفيَ الحكم لانتفاء العِلَّة، فإنَّ التعليق بالصفة كذلك، إذ لابدَّ له من فائدة صونًا للكلام من اللغو، وإذا كان لا يستقيم أن يثبت تخصيص آحاد البلغاء بغير فائدة، فكلام الله ورسوله أجدر.
[في احتجاج المانعين من حجية دليل الخطاب]
• قال المصنف -رحمه الله- في [ص ٢٩٥] في معرض الاستدلال على منع حُجِّية دليل الخطاب الذي صحَّحه:
«وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ الشَّيْبَانِي عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبي أَوْفَى قَالَ: «نَهَى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عَنِ الجَرِّ الأَخْضَرِ، قُلْتُ: أَنَشْرَبُ فِي الأَبْيَضِ ؟ قَالَ: لاَ»، فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى الجَّرِّ الأَخْضَرِ، ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ الأَبْيَضِ حُكْمُهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فَلَوْ جَازَ التَّعَلُّقُ بدَلِيلِ الخِطابِ لَوَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بالمُخَالَفَةِ».
[م] فهذا دليلٌ من أدلَّة نفاة مفهوم المخالفة، وجوابه ـ عند الجمهور ـ: أنَّ الأخضر صفة غالبة على الجَرِّ؛ لأنَّ الجرار الخُضر كانت شائعة بينهم، فكان ذِكر الأخضر لبيان الواقع لا للاحتراز(٢٦)، وعليه فاللفظ خرج مخرج الغالب الأعمّ فلا مفهومَ له، وهو أحد القيود على حُجِّيَّة مفهوم المخالفة عند الجمهور(٢٧).
ومن جهة أخرى فإنَّ الصحابي رضي الله عنه لما سأل عن حكم الأبيض إنما سأل بناءً على مفهوم المخالفة الجاري فهمه على لسانهم، فبيَّن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بمنطوقه عدم الفرق بين الأخضر والأبيض، فلا يلزم من ذلك بطلانه، وإنما وجب المصير إلى المنطوق وتقديمه لقوته على المفهوم.
ولقد كان لاختلافهم في دليل الخطاب أثر واسع في الاختلاف في الفروع فمن ذلك:
• نكاح الأَمَة مع طول الحرة، فقد ذهب الجمهور إلى العمل بالمفهوم المخالف في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥]، الدالّ على تحريم نكاح الأَمَة المؤمنة مع طول الحرة، لدلالة المنطوق على جواز نكاح الأَمة المؤمنة بشرط عدم استطاعة طول الحرة عملًا بدليل الخطاب خلافًا للأحناف.
• نكاح الأَمَة الكتابية عند عدم استطاعته طول الحرّة، فقد ذهب الجمهور إلى العمل بالمفهوم المخالف من الآية السابقة حيث دلّت بمفهومها على تحريم نكاح الأَمة الكتابية لتقييد منطوقها بوصف الإيمان، وخالف الحنفية في ذلك جريًا على عدم الاحتجاج بالمفهوم المخالف(٢٨).
• كما يذهب الجمهور إلى عدم جواز نكاح الأَمَة مُطلقًا مؤمنةً أو كتابيةً مع عدم خوف العنت وهو الوقوع في الزنا، لقوله تعالى بعد الآية السابقة: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٥]، وخالف في ذلك الأحناف جريًا على أصلهم في الأخذ بعموم الآيات وعدم العمل بمفهوم المخالفة في الآية.
• ما يذهب إليه الجمهور من أنَّ بيع النخل قبل أن يؤبَّر(٢٩) فثمرته للمشتري أخذًا من مفهوم الصفة في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمْرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ»(٣٠)؛ «فقد جعل التأبير حدًّا لملك البائع للثمرة، فيكون ما قبله للمشتري، وإلَّا لم يكن حدًّا، ولا كان ذكر التأبير مفيدًا(٣١)»(٣٢)، وخالف أبو حنيفة ورأى أنَّ الثمرة للبائع سواء بين أن يكون النخل مؤبَّرًا أو غير مؤبَّرٍ، فإنَّ قَيْدَ التأبير لا يدلُّ على نفي الحكم عند عدمه(٣٣).
• ومن ذلك ما يذهب إليه الجمهورُ من أنَّ للأب إجبار ابنته البِكر البالغة على الزواج، استدلالًا بمفهوم الصفة في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا»(٣٤)، فإنَّ مفهومه أنَّ غير الثَّيِّبِ لا تكون أحقّ بنفسها، فيكون وليُّها أحقّ منها، لذلك كان له أن يجبرها، وخالف في ذلك أبو حنيفة حيث إنه لم ير للأب ولاية الإجبار على ابنته البكر البالغة(٣٥)؛ لأنَّ مفهوم المخالفة ليس ـ عنده ـ حُجَّة.
https://ferkous.com/home/?q=inara-14-3