رأس الحدادية الأول هو محمود الحداد، وهو مصري نزل المدينة النبوية. ولم يشتهر بطلب العلم على أيدي أهل العلم. وإليه تنتسب هذه الطائفة لاقتدائهم به في كثير من طريقته.
ظهر للناس - بعد أزمة الخليج - بثياب تشبه ثياب السلفية، فاغتر به جماعة من ضعفاء العقول. وكان أول أمره غامضًا، ثم كشفه الله تعالى على يد علماء المدينة أمثال الشيخ محمد أمان بن علي الجامي، والشيخ ربيع المدخلي، والشيخ محمد بن هادي المدخلي. [1]
ثم يسّر الله تعالى بطرده من المملكة العربية السعودية، فلله الحمد والمنة.
فهذه هي الحدادية الأولى ومن سار بسيرها.
وأشهر صفاتهم الحرب على علماء أهل السنة.
وقد ذكر القرطبي - رحمه الله - حديث الافتراق، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين)، فذكر أن بعض العلماء يقول: "هذه الفرقة التي زادت في فرق أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - هم قوم يعادون العلماء، ويبغضون الفقهاء، ولم يكن ذلك قط في الأمم السالفة".
صفات الحدادية:
ومن صفات الحدادية مخالفة أهل العلم، وإنما يتسترون ببعض العلماء، وليس ذلك عن محبة للعلماء، ولكن ليضربوا العلماء ببعضهم.
ومن صفاتهم الخفة والطيش، وعدم الرسوخ في العلم، والجرأة في إلقاء الأحكام. ورميهم مخالفيهم بكل فجور وخبث.
وأحسن وصف مختصر للحدادية - بجميع فصائلها - هو وصف الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حيث قال فيهم:
(هم حربة مسمومة بأيدي أهل البدع، تطعن السلفيين في ظهورهم، كلما قاموا بنصر السنة والذب عنها). [2]
وقال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي:
(فللحداد حزب لئيم، قام على الفجور والكذب، وعلى أردأ الأخلاق - التي تفوق في الشراسة والخسة شراسة الوحوش وخستها -، عرفهم بذلك القاصي والداني في مختلف مناطق المملكة، فصاروا يترحمون على الحزبيين وأخلاقهم، ...
وإنما هو السب والشتم والحط من كل علماء المنهج السلفي في هذه البلاد وخارجها، واللعن إلى درجة التكفير لبعض العلماء، فلقد سمعنا وسمع الناس منهم الكثير من هذه المخازي) ا.هـ [3]
أ ـ أصول الحدادية:
يشتركون كلهم في أمور:
أحدها: ـ ترك أهل الأهواء، والطعونات في علماء الأمة [4]، ابتداء من النووي وابن حجر وشيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم، وابن أبي العز الحنفي "شارح الطحاوية" [5]، والإمام محمد بن عبد الوهاب وأمثالهم، إلى علماء عصرنا مثل هيئة كبار العلماء، حيث سماهم الحداد عبيد السلاطين [6]، وكذلك الشيخ الألباني، حيث ألّف الحداد رسالة في الشيخ الألباني أسماها: "الخميس" أي: الجيش العرمرم الذي له قلب، ومؤخرة ومقدمة، وميمنة وميسرة.
ومنهم من لعن أبا حنيفة، ومنهم من يبدّع النووي وابن حجر. [7]
وثانيها: ـ جهلهم وعدم تفريقهم بين العالم المجتهد والمبتدع، وعدم تفريقهم بين الخطأ والبدعة، وقد نتج عن جهلهم هذا إثارة للفتن بين أهل السنة، وتهور في التبديع، وغلو في مسائل يسوغ فيها الخلاف. [8]
وثالثا: ـ تبديع من لم يبدع من بدعوه.
ورابعًا: ـ وجود نزعة تكفيرية عند هؤلاء القوم. ومن هنا دعا محمود الحداد إلى عدم الترحم على أهل البدع مطلقًا، بدون تفريق بين صاحب بدعة كفرية أو غيرها، وينادي بحرق "شرح النووي على صحيح مسلم". و"فتح الباري على صحيح البخاري".
وخامسًا: ـ هجر المبتدع على طريقة الحداد.
وسادسًا: ـ عدم مراعاة المصلحة من المفسدة، والسعي الحثيث لتفريق كلمة السلفيين في كل مكان.
مراحلهم التي اشتركت فيها جميع فصائلهم:
مرت هذه الطائفة بعدة أطوار وهي كالتالي:
الطور الأول: كانت بدايتهم الطعن في النووي، وابن حجر، والشوكاني، وبعض العلماء المعاصرين كالألباني.
الطور الثاني: وسعوا دائرة الطعن قليلًا، لتشمل بعض العلماء المعاصرين كالشيخ ربيع وغيره من أهل العلم والفضل. [9]
الطور الثالث: وسعوا دائرة طعنهم لتشمل كل من لا يكفر تارك الصلاة من أئمة الإسلام، وأهل الحديث السابقين، واللاحقين، فقذفوا بعضهم بالإرجاء وبعضهم بالتجهم.
الطور الرابع : انتقلوا إلى الطعن في نصوص الكتاب والسنة، بل وصفوها بأنها "نباح". [10]
رد المشايخ السلفيون على الحداد وعلى أتباعه وكشفوا ضلالهم، وبينوا زيف دعوتهم، فمن هذه الردود رد الشيخ العلامة محمد أمان بن علي الجامي: "الرد على أخطاء محمود الحداد"، ورد الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي "طعن الحداد في علماء السنة". و"مجازفات الحداد" [11]، ورد الشيخ محمد بن هادي المدخلي في "القول المراد في أخطاء محمود الحداد".
عبد اللطيف باشميل:
ومن أتباع الحداد رجل يقال له عبد اللطيف باشميل غاية في السوء، بل هو أعظمهم حربًا، وافتراءً على مشايخ الدعوة السلفية، وصفه الشيخ ربيع في رسالته: "إزهاق أباطيل عبد اللطيف باشميل" بأنه "رائد الحدادية" [12]، وأنه "هو القائد الفعلي للحدادية، وقائد فتنتها".[13]
ويقول الشيخ ربيع بن هادي المدخلي:
(وبلايا هذا الرجل كثيرة جدًا، وهو قد بلغ من الخبث والشر والشراسة إلى درجة لا يلحقها فيها – فيما أعلم وفيمن أعرف - أي مبتدع حاقد على المنهج السلفي). [14]
عبد اللطيف باشميل يتحامل على الشيخ الألباني بشدة، ويتهمه بالإرجاء كما يفعل القطبيون، ويزعم أن مشايخ المدينة لهم حزب سياسي يجتمعون فيه على أخطاء الألباني، فرد الشيخ ربيع على هذيانه في رسالته: "إزهاق باطيل عبد اللطيف باشميل".
مشابهتهم بالقطبية:
كثير من الفضلاء يقول: "الحدادية فصيل من القطبية، لكنهم مندسون بين السلفيين لغرض تشويه السلفية، ولضرب السلفية من الداخل".
والحق أن هذا الكلام له حظ من النظر، ولاسيما أنهم شابهوا القطبية من عدة أوجه، منها:
أولًا: ظهورهم للناس بعد أزمة الخليج، وهو الوقت الذي افتضح فيه تنظيم القطبية في المملكة العربية السعودية.
قال الشيخ ربيع "مجموع كتب ورسائل وفتاوى الشيخ ربيع":
(هذا التاريخ (أي: أزمة الخليج). هو بداية ظهور دعوة الحدادية القائمة على التقية والحزبية الماكرة). [15]
وثانيًا: تحركهم بحماس بعد نزول كتب الشيخ في سيد قطب.
قال الشيخ ربيع عن عبد اللطيف باشميل:
(بدأ هذا المجند يتحرك بحماس شديد منذ نزل أول كتاب من هذه الكتب المذكورة [16] إلى الساحة، معتمدًا في مواجهتها على الدجل والأكاذيب، والبحث في مئات الأشرطة من أشرطة الألباني، ليجد من أخطائه ما يصرف به الناس عن هذه الكتب التي زلزلته ... وأقضت مضجعه ومضجع من جندوه لمواجهتها). [17]
وثالثًا: كثرة كلامهم عن الإرجاء، كأن الأمة لا تعاني إلا من هذا الداء فقط، وإنما يريدون به إسقاط أئمة الدعوة السلفية.
ورابعًا: رميهم العلماء بكل قبيح وتهجمهم عليهم في كل محفل، ومن ذلك مشابهتهم للقطبية في قدحهم للعلماء بسبب الاستعانة بالكفار مؤقتًا للحاجة الماسة.
قال محمود الحداد عن العلماء الذين أفتوا بالاستعانة بالكفار لدفع جيوش البعثيين في ذلك الوقت:
(وهم عبيد السلاطين، واليوم يحرمون الحلال بأمرهم، وغدا يحلون الحرام بأمرهم، ففتاويهم حاضرة حضور الدينار والدرهم، والجاه والمنصب، هان عليهم العلم فقبلوا المال عنه). [18]
خامسًا: نشر بعض الرسائل التي وجهها سماحة الشيخ ابن باز لجمعية إحياء التراث". بحجة أنها اشتملت على نصيحة للشيخ ربيع. [19]
مدارس الحدادية:
والحدادية هي نفسها مدارس: فأولها مدرسة محمود الحداد المصري وهي المدرسة الأم.
ثم مدرسة فالح الحربي. ثم مدرسة يحيى الحجوري. ومدارس أخرى سيأتي التعرض لها إن شاء الله تعالى.
كتبه
أبوعمار علي الحذيفي
______________________
[1] وليس هؤلاء هم أول المدسوسين على الدعوة الذين كشفهم الله بأهل المدينة، بل كشف الله بهم القطبية قبلهم، والمغرواي والعرعور وأبا الحسن بعدهم.
[2] "طعن الحداد في علماء أهل السنة". للشيخ ربيع بن هادي المدخلي.
[3] "مجموع كتب ورسائل وفتاوى الشيخ ربيع" (9/520).
[4] ترك محمود الحداد سيد قطب، وقام يشوه بشيخ الإسلام وتلميذه العلامة ابن القيم وابن أبي العز والحافظ ابن حجر والنووي والشوكاني لأنه يراهم جميعا في مقام واحد.
[5] انظر طعونات الحداد الفاجرة في شيخ الإسلام ابن تيمية وابن أبي العز في "طعن الحداد في علماء أهل السنة". للشيخ ربيع بن هادي المدخلي.
[6] بسبب فتواهم في الاستعانة بالكفار مؤقتًا للحاجة الماسة.
[7] وقد ناقشت أحد المعجبين بفكر إبراهيم الرحيلي، فاتهم الشيخ ربيعًا - ظلما وعدوانًا - بأنه يبدع النووي وابن حجر، وقد وجدت من كلام الشيخ ربيع ما يكذب هذا الرجل وأمثاله.
قال الشيخ ربيع في "مجموع كتب ورسائل وفتاوى الشيخ ربيع" (9/ 521 - 522): (وأما زعمك أننا كنا نشارك الحداد في تبديع أبي حنيفة وابن حجر والنووي، فهذا من الإفك).
وهذه طريقة الرحيلي ومن سار على طريقته، التورع في أهل الأهواء، والتجرؤ على أهل العلم.
[8] كالغلو في بعض المسائل ككفر تارك الصلاة، والعذر بالجهل، وعدم مراعاة المصالح والمفاسد. انظر: "خطورة الحدادية الجديدة". للشيخ العلامة / ربيع بن هادي المدخلي.
[9] بل وصل الحال بهذه الطائفة الخبيثة أن تكفر الشيخ ربيعًا، وتلعنه وتلعن من يناصر الشيخ.
[10] من كلام أخينا الشيخ أحمد بن يحيى الزهراني.
[11] وألف الشيخ ربيع كتبا أخرى في الحدادية، منها "صفات الحدادية" ردا على أبي الحسن الذي وصف الشباب الذين ردوا عليه بالحدادية، وألف "المقالات الأثرية في الرد على شبهات وتشغيبات الحدادية" رد على عبد الله بن صوان الغامدي وعادل آل حمدان الغامدي.
[12] "مجموع كتب ورسائل الشيخ ربيع" (9/522).
[13] "مجموع كتب ورسائل الشيخ ربيع" (9/509).
[14] "مجموع كتب ورسائل وفتاوى الشيخ ربيع" (9/548).
[15] "مجموع كتب ورسائل وفتاوى الشيخ ربيع" (4/86).
[16] قال الشيخ في الحاشية: "أعني: "مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" وكتاب: "أضواء إسلامية".
[17] "مجموع كتب ورسائل الشيخ ربيع" (9/488).
[18] "مجموع كتب ورسائل الشيخ ربيع" (9/493 - 494).
[19] انظر الرسالة مع مناقشة الاحتجاج بها في "مجموع كتب ورسائل وفتاوى الشيخ ربيع" (9/541 - 546).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق